کد مطلب:323828 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:345

الفطرة الانسانیة أساس العلاقة بین الرجل و المرأة
تلك هی شهادة شاهد علی عصره و حضارته؛ و هی شهادة تنبع من الانصاف؛ و التدبر فیما عنی به الاسلام - دین الفطرة - من تصحیح النظر الی المرأة؛ و اقامة العلاقة بینها و بین الرجل علی أساس من حقائق الفطرة الانسانیة؛ و بتوضیح هذه العلاقة فی كل فرع من فروعها النفسیة و العملیة، بحیث لا تضطرب و لا تتأرجح، و لا یكتنفها الغموض فی زاویة من زوایاها» [1] .

عنی - أولا - ببیان وحدة الزوجین و تساویهما (من الناحیة الانسانیة) لیقضی علی جمیع النظریات الخاطئة التی كانت تزعم أن المرأة جنس منحط بذاته عن جنس الرجل.. «یا أیها الناس اتقوا ربكم الذی خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثیرا و نساء» [2] .

و عنی - ثانیا - ببیان وحدة الزوجین و تساویهما (من ناحیة علاقتهما بربهما و جزائهما عنده): «فاستجاب لهم ربهم أنی لا أضیع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثی بعضكم من بعض» [3] .

«ان المسلمین و المسلمات و المؤمنین و المؤمنات و القانتین و القانتات و الصادقین و الصادقات و الصابرین و الصابرات و الخاشعین و الخاشعات و المتصدقین و المتصدقات و الصائمین و الصائمات و الحافظین فروجهم و الحافظات و الذاكرین الله كثیرا و الذاكرات أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظیما» [4] .
و عنی - ثالثا - ببیان نوع الصلة بین شقی النفس الواحدة، و أهدف هذه الصلة المتنوعة، سواء ما یختص منها بالزوجین، و ما یختص منها بالمجتمع الانسانی كله.. «و من آیاته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا الیها و جعل بینكم مودة و رحمة» [5] .

«هن لباس لكم و أنتم لباس لهن» [6] .

«نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنی شئتم» [7] .

و عنی - رابعا - بتنظیم الصلة بین الجنسین فی كل أحوالها و أطوارها، و ما یشتركان فیه، و ما ینفرد به كل منهما - وفقا لتكوینه الفطری و وظیفته فی المجتمع الانسانی القائم علیهما كلیهما...

«ا» فبین حقهما معا - فی أصل الملكیة و الكسب و المیراث - مع خصوصیة كل منهما فی بعض الفروع. و ذلك للقضاء علی جمیع النظریات و الأنظمة الخاطئة التی كانت تحرم المرأة حقها هذا: «للرجال نصیب مما اكتسبوا و للنساء نصیب مما اكتسبن» [8] .

«للرجال نصیب مما ترك الوالدان و الأقربون و للنساء نصیب مما ترك الوالدان و الأقربون مما قل منه أو كثر نصیبا مفروضا» [9] .

«یوصیكم الله فی أولادكم للذكر مثل حظ الأنثیین» [10] .
«و لأبویه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم یكن له ولد و ورثه أبواه فلأمه الثلث فان كان له اخوة فلأمه السدس» [11] «و ان كان رجل یورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس» [12] .

«و آتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شی ء منه نفسا فكلوه هنیئا مریئا» [13] .

«ب» و بین نظام قیام الأسرة، و نظام التعامل بینهما فی الأسرة، و حقوق كل منهما علی الآخر، و حقوق الأطفال الناشئین ثمرة التقائهما كذلك.

فالعلاقة تبدأ زواجا بمهر. «و أحل لكم ما وراء ذلكم [14] أن تبتغوا بأموالكم محصنین غیر مسافحین فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فریضة و لا جناح علیكم فیما تراضیتم به من بعد الفریضة ان الله كان علیما حكیما» [15] .

و المرأة لا تورث كالمتاع و لا تمنع من الزواج بعد وفاة زوجها لتفتدی نفسها من أهل الزوج - و لا تمسك بعد الطلاق ضرارا حتی تفتدی نفسها من الزوج - كما كان الحال فی الجاهلیة: «یا أیها الذین آمنوا لا یحل لكم أن ترثوا النساء كرها، و لا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتیتموهن الا أن یأتین بفاحشة مبینة و عاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسی أن تكرهوا شیئا
و یجعل الله فیه خیرا كثیرا - و ان أردتم استبدال زوج مكان زوج، و آتیتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شیئا أتأخذونه بهتانا و اثما مبینا؟!» [16] .

و للرجل القوامة فی البیت و علیه الانفاق. و له مزاولة حقوق القوامة فی المحافظة علی كیان الأسرة من التفكك فی مهب النزوات العارضة، و المحافظة علی العش الذی تتعلق به حقوق الأطفال، و حقوق المجتمع البشری الذی یعتمد علی مؤسسات الأسرة فی تموه الاجتماعی و رقیه..

«الرجال قوامون ذلی النساء بما فضل الله بعضهم علی بعض و بما أنفقوا من أموالهم فالطالحات قانتات حافظات للغیب بما حفظ الله و اللاتی تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن فی المضاجع و اضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا علیهن سبیلا ان الله كان علیا كبیرا» [17] .

فأما حین یخشی علی مؤسسة الأسرة التصدع و الانهیار فهناك اجراءات أخری: (و ان خفتم شقاق بینهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ان یریدا اصلاحا یوفق الله بینهما ان الله كان علیما خبیرا) [18] .

و حین لا تجدی هذه المحاولة فهناك الطلاق اذن لیبحث كل منهما عن شریك یقیم معه مؤسسة الأسرة علی أساس أقوی: «و ان یتفرقا یغن الله كلا من سعته، و كان الله واسعا حكیما» [19] .

و الطلاق شروطه و عدد مراته و نظام المراجعة فیه و نظام النفقة.. كل شی ء مبین بوضوح. و لیس هنا مكان تفصیله.
و للأطفال حقوقهم عند تفرق الوالدین: «و الوالدات یرضعن أولادهن حولین كاملین لمن أراد أن یتم الرضاعة و علی المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها و لا مولود له بولده و علی الوارث مثل ذلك فان أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور فلا جناح علیهما و ان أردتم تسترضعوا أولادكم فلا جناح علیكم اذا سلمتم ما آتیتم بالمعروف و اتقوا الله و اعلموا أن الله بما تعملون بصیر» [20] .

و لا نستطیع أن نمضی أكثر من هذا فی تفصیل النظرة الی المرأة و الی علاقات الجنسین فی المنهج الالهی. فقد أفرد له المرحوم سید قطب فصلا كبیرا فی كتاب «نحو مجتمع اسلامی». فحسبنا معه أن نشیر الی أن هذا الأمر مبین بوضوح و دقة و توكید - فی كل جزئیة من جزئیاته - و أنه كله مبنی علی حقائق الفطرة فی تكوین الجنس الانسانی أولا، و فی تكوین كل من زوجیه ثانیا. و أن توزیع الاختصاصات بینهما مراعی فیه دقائق الفطرة، التی یعلم بها بارئها، و لا یعلم الانسان عنها الا قلیلا. فجهالتنا بها مطبقة كجهالتنا بالانسان كله!

و لكن الذی ینبغی توكید - فی اختصار - هو أن طبیعة نظرة الاسلام الی الانسان لا تسمح بأن تكون العلاقة بین الجنسین هی مجرد العلاقة الحیوانیة القائمة بین أزواج الحیوان. فالانسان مخلوق فذ فی تكوینه. فذ فی غایة وجوده. فذ فی مآله و مصیره.. و هذه الخصوصیة من شأنها أن تجعل لعلاقات الجنسین فیه غایة أبعد و أشمل و أكبر من غایة الالتقاء الحیوانی و اللذة الحیوانیة. غایة تتفق مع غایة وجوده كما تتفق مع طبیعة تكوینه، التی ألمحنا الیها فی الصفحات السابقة باختصار [21] .
و لیس تفصیل المنهج الالهی لعلاقة الجنسین موضوعنا هنا. انما موضوعنا هو ذلك التخبط الذی عانت منه البشریة فی أطوارها المختلفة، و هی تشرد عن الله، و تتخذ لنفسها مناهج تقوم علی الجهل و الهوی و الضعف و الشهوة فی أطوارها المتلاحقة؛ ولا تستقر علی وضع معتدل هادی ء مطمئن فی طور من الأطوار.

و نجتزی ء بالتخبطات التی تداولت المجتمع الأوربی منذ عهد الامبراطوریة الرومانیة - التی علی أساس حضارتها تقوم الحیاة الأوربیة المعاصرة - كما فعلنا فی الكلام عن النظرة الی الانسان و فطرته و استعداداته.

یقول المرحوم سید قطب: «لقد تأرجحت النظرة الی المرأة بین اعتبارها كائنا منحطا أشبه بالأشیاء منه بالأحیاء! الی اعتبارها شیطانا رجیما یوسوس بالشر و الخطیئة! الی اعتبارها سیدة المجتمع و الحاكمة فی أقداره و أقدار حاكمیه! الی اعتبارها عاملة علیها أن تكافح و تشقی لتعیش.. ثم تحمل و تضع و تربی!

كما تأرجحت العلاقة بین الجنسین بین اعتبارها علاقة حیوان بحیوان. الی اعتبارها دنسا و رجسا من عمل الشیطان. الی اعتبارها مرة أخری علاقة حیوان بحیوان!

أما أن المرأة شطر النفس الانسانیة، و أنها صانعة الجنس البشری، و أنها حارسة العش الذی تدرج فیه الطفولة.. و أنها الأمینة علی أنفس عناصر هذا الوجود.. «الانسان».. و أن عملها فی اتقان هذا العنصر لا یعدله عملها فی اتقان أی عنصر آخر أو أی جهاز... الی آخر هذه الاعتبارات الفطریة الانسانیة الكریمة.. فهذا ما لم یعتدل به المیزان قط، فی تلك المناهج الجاهلیة.

و أما أن العلاقة بین الجنسین أداة لخدمة النوع البشری، بانشاء المحضن الآمن النظیف الواعی المتخصص، لانتاج صناعة البشر - و هی أئمن و أغلی صناعة فی هذه الأرض - و اعتبار «الواجب» - لا اللذة - هو عماد هذه العلاقة، لتعلق
المستقبل البشری كله بها، و قیام التمدن البشری علیها... أما هذا الاعتبار فلم یعتدل به المیزان كذلك قط فی مناهج الجاهلیة القدیمة أو الحدیثة.

و قد مضت الجاهلیة الاغریقیة القدیمة علی ذلك النمط، و لا مجال للحدیث عنها هنا خوف الاطالة.

«و الذین تسنموا ذروة المجد و الرقی فی العالم - بعد الیونایین - هم الرومان. و فی هذه الأمة أیضا نری تلك السلسلة من الصعود و الهبوط. التی قد شاهدناها فی الیونان. فحینما خرج الرومان من عصر الوحشیة و ظلم الجهل، و ظهروا علی مسرح التاریخ لأول مرة، كان الرجل رب الأسرة فی مجتمعهم، له حقوق الملك كاملة علی أهله و أولاده. بل بلغ من سلطته فی هذا الشأن، أن كان یجوز له حتی قتل زوجه فی بعض الأحیان [22] .

«و لما تخففت فیهم سورة الوحشیة، و تقدموا خطوات فی سبیل المدنیة و الحضارة، تخففت القسوة فی تلك السلطة، و جعلت الكفة تمیل الی الاستواء و الاعتدال شیئا فشیئا و ان بقی نظام الأسرة القدیم ثابتا علی حاله [23] .

[1] سيد قطب السابق، ص 64.

[2] سورة النساء، الآية 1.

[3] سورة آل عمران، الآية 195.

[4] سورة الاحزاب، الآية 35.

[5] سورة الروم، الآية 21.

[6] سورة البقرة، الآية 187.

[7] سورة البقرة، الآية 223.

[8] سورة النساء، الآية 7.

[9] سورة النساء، الآية 7.

[10] سورة النساء، الآية 11.

[11] سورة النساء، الآية 11.

[12] سورة النساء، الآية 12.

[13] سورة النساء، الآية 4.

[14] أي فيما عدا المحرمات المذكورات في آيات سابقة.

[15] سورة النساء، الآية 24.

[16] سورة النساء، الآيتان 20 - 19.

[17] سورة النساء، الآية 34.

[18] سورة النساء، الآية 35.

[19] سورة النساء، الآية 130.

[20] سورة البقرة، الآية 233.

[21] يراجع هذا الموضوع بتوسع كاف في كتاب «الحجاب» للسيد أبي الأعلي المودودي. و كذلك في كتاب «الانسان بين المادية و الاسلام» لمحمد قطب. سيد قطب: السابق، ص 69.

[22] و بيع أولاده كذلك....

[23] سيد قطب: السابق، ص 70.